الموت في المياه
هذا البحر، كالكائن الحي، يبدو وادعاً، لكنه يربض كالمارد الممتد أمام كثير من المدن على هذه البسيطة، ومن هذا المدخل كان له مع البشر القصص، والكثير منها، والممتلئ بالعبرة والأسى، وفي سياق كونه كائناً حياً هذا يجعلنا نتخذ منه وسيلة لاستعارات شتى لأناس كثر كل في حالته بحسب حالته، فها هو تي. إس. إليوت الانجلوأمريكي يكتب في قصيدته الطويلة، الفردوس اليباب، المضمخة باليأس والتشاؤم العاقر يحكي لنا عن فيليباس الفينيقي اليوناني، ذاك الاسم المختلق لتاجر رحّالة بحّار عاصر في مراحل حياته الربح والخسارة وتمّرس في صراعات الموج في أسفاره. إن الماء مادة البحر، وهو سر الحياة في الآن ذاته، فلعمري كيف لسر الحياة أن يكون وسيلة للموت، ياللمفارقة، فكيف يكون وسيلة لموت من خبره ومارس أيامه بحاراً تاجراً، وكيف أن هذا الكائن الصارم، يلتهم كل من تنوشه شباكه فلا يذكره أحد ويغيب عنه كل مظهر حي من مظاهر الحياة في مياه البحر من نوارس وأمواج. الموت في المياه قد يكون مجازياً كأن يكون للكلام ملامح المياه، فإذا ما كان المرء على مُكنة من السباحة في مياه بحرالكلمات، نجا، وإلا فلا يغفل ألا يكون مصيره مثل مصير فيليباس الفينيقي في مياهه، فلنكن على حذر وعلى أمل في الآن نفسه، فلا عوائد دون مخاطر، ففي المياه طاقة، وللطاقة مياه، وبالماء نحيا وبالطاقات نتقدم، نأمل ذلك بسلام!
هاهو ذا فيليباس الفينيقي، هالكٌ منذ أسبوعين، غفِلاً عن صيحات النوارس، وعن موج البحر القاتم وعن حساب الربح والمغرم.
تيار تحت صفحة البحر التهم رُفاته بهمس. مر بعلو وخفض ومرت أمامه مراحل عمره والشباب داخلاً في الدوّامة.
أكنت من الأغيار أو من يهود أنت أيا من تدير العجلة وتنظر إلى حيث مهب الرياح، اعتَبِر بفيليباس، ذاك الذي كان فيما مضى جميلاً وطويلاً مثلك. |