لقد خصصت عام 2021م لقراءة الشعر فقط وقرأت كل ديوان شعري في طريقي، سواءً كان باللغة العربية، أو باللغة الانجليزية أومترجما من لغات أخرى إلى اللغة العربية. ووجدت أن الشعر كلام فيه تكثيف للمعنى الذي يقصده قائله وفيه أيضا استخدام أمثل لكمية الكلمات التي تستخدم للتعبير عن هذا المعنى، وللشعر مكونان، أولهما يسمونه المبنى وهو محتوى الشعر من ناحية كلماته، والآخر هو محتوى المبنى من معنى. ولأن الشعر له جسم وهيكل مادي ومعنوي فمن هذا الباب فينطبق على الشعر شكل من أشكال الاقتصاد في المعنى والمبنى، وبه صار الرسم بالكلمات بديلاً عن الرسم المعروف الذي يمارسه الإنسان أحيانا للتعبير عن ذاته، ولأن الشعر له هذه الهيئة المكثفة، فلقد صار رفيق الإنسان طوال رحلته فوق هذه الأرض وصار القناة الأمثل لنقل التجارب عبر الأجيال، وأنك عندما تقرأ الكثير من الشعر ستفهمه أكثر وستكون جزءً من هذه التسلسل والامتداد الكوني الإنساني الذي يساهم في نقل التجربة الإنسانية. الشعر ممتع أيضا حيث أن البشر منذ فجر التاريخ أحبوا الأنشودة والأغنية والترنيمة وقبل ذلك كانت أصوات الكائنات الأخرى تعتبر مصدراً للسلوى والتخفيف عن الذات تحت ضغوط أو باعثاً للحنين الزماني والمكاني، وتلك الكائنات قلدها الإنسان بالشعر، فنقول أن الشعر صار هوِّية إنسانية، لأنه شكل متقدم جداً وحالة رفيعة من التعبير عن التجارب الإنسانية وفق قواعد معينة تضبطه وتفرق بينه وبين الكلام العادي. باختصار لن يكف الإنسان عن الشعر، لأن الشعر رابط خفي مرتبط بطبيعة الإنسان الحيوية، وهو يعيد الإنسان إلى إنسانيته باستمرار ولن يكف عنه حتى يكف عن إنسانيته لذلك من المهم أن نقرأ الكثير من الشعر اليوم وكل يوم.