• الصفحة الرئيسية
  • عن هذا الموقع
  • ميتا
  • أمثولة الثعلب والقنفذ

    يسبح ثعلبٌ عبر النهر ولمّا يصل بالكاد إلى الضفة، فلما وصل انسدح منسحقاً ومنهكاً من صراعه مع التيار الخاطف للمياه. ما لبث أن حط عليه جماعة بعوض تمتص الدماء، لكنه مع هذا استقلى بهدوء ولايزال ضعيفاً جداً على أن يهرب منها. مر بالجوار قنفذ وقال بتلطّف "دعني أبعدها عنك،" فصاح الثعلب "لا! لا!" لا تزعجها! لقد تناولوا ما بوسعهم. لو طردتهم، ستأتي جماعة أخرى جشعة وتقضي على بقية الدم الذي بجسمي. حنانيك فبعض الشر أهون من بعض عندما يكون الغرض إزالة شر عظيم.

    هذه نسخة من الأمثولة المتكررة التي تقارن بين سلوك ثعلب وقنفذ. وأول من روّج لها وكتب عنها اعتماداً على أصول يونانية كان الفيلسوف الأوروبي أشعيا بيرلن، حيث بدا له أن يعقد مقارنة بين نوعين من الأدباء وذلك في مقالة له كتبها في العام 1953م. نوع منهم يشاكل القنافذ في رؤية موحدة مركزة تجاه الحياة بمنظار فكرة رئيسية واحدة للحياة وبين أدباء منهم كالثعالب أولئك الراسمي رؤية متعددة وواسعة تجاه قضايا الحياة التي لا يمكن أن تختزل من خلال تجاربها المتعددة إلى فكرة واحدة فقط.

    قرأت لأول مرة عن هذه الفكرة في كتابات البروفيسور لويس غاريس المتخصص في الحرب الباردة في جامعة ييل، وفي مقالات تحلل نظريات صاحب الفكرة إشعيا بيرلن نجد تحليلات حلوة وشيقة حول فكرة المزج بين الرؤيتين، تجاه التعامل مع الحياة من منظر مبسط أو معقد، الجمع بين مرونة ورشاقة الثعلب وبين تركيز القنفذ وقدرته على لم شعث الجهد أمثولة شيقة تجعلني أفكر في أن المرء حتماً وأن يعرف نفسه ويحللها ويختار بناءً عليها ما يناسب توجهه وتفكيره وما يريحه من قول وفعل في حدود الاختلاف المسموح به شرعاً ثم عُرفاً ضمن كل سياقات الحياة المتعددة في المرء مع ذاته ومع أسرته وفي عمله ومع الناس في السوق وفي المدرسة والجامعة.

    يلحون على القنفذ ويلومونه على أنه دوغمائي ومتخصص وأيدلوجي ومبسط.والثعلب بطبيعة الحال على خلاف هذا كله فهو إجمالا يعالج التعقيد بالمزيد من التوسع. فالثعل يحمل منظراً متشطياً على نحو يجعله مدركاً للكثير أما جمود القنفذ النظري قد يجنح به نحو قصر النظر وحتى العمى. خلاصة القول مع معرفتك لنفسك وميولها لما يريحها، فإنك يجدر ألا تنحاز إلى خطورة أن تكون جامداً جداً وأن تعالج عيوب أن تكون مرناً جداً وذا رد فعل انعكاسي دون تفكير. والمزيج المثالي بينهما هو أن تستجيب للتعقيد بإيجابية وانفتاح وأن تكون شاعراً بأهمية التنوع مع حساسيتك تجاه الاختلافات

    العودة للصفحة الرئيسية